فصل: تفسير الآيات (1- 3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (31):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)}
قرئ: {الفلك} بضم اللام. وكل فعل يجوز فيه فعل، كما يجوز في كل فعل فعل، على مذهب التعويض. وبنعمات الله: بسكون العين. وعين فعلات يجوز فيها الفتح والكسر والسكون {بِنِعْمَتِ الله} بإحسانه ورحمته {صَبَّارٍ} على بلائه {شَكُورٍ} لنعمائه، وهما صفتا المؤمن، فكأنه قال: إنّ في ذلك لآيات لكل مؤمن.

.تفسير الآية رقم (32):

{وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)}
يرتفع الموج ويتراكب، فيعود مثل الظلل، والظلة: كل ما أظلك من جبل أو سحاب أو غيرهما وقريء: كالظلال، جمع ظلة. كقلة وقلال {فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} متوسط في الكفر والظلم، خفض من غلوائه، وانزجر بعض الانزجار. أو مقتصد في الإخلاص الذي كان عليه في البحر، يعني أنّ ذلك الإخلاص الحادث عن الخوف، لا يبقى لأحد قط، والمقتصد قليل نادر. وقيل: مؤمن قد ثبت على ما عاهد عليه الله في البحر. والخثر: أشد الغدر. ومنه قولهم: إنك لا تمدّ لنا شبراً من غدر إلا مددنا لك باعاً من ختر، قال:
وَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ أَبَا عُمَيْر ** مَلأْتَ يَدَيْكَ مِنْ غَدْرٍ وَخَتْرِ

.تفسير الآية رقم (33):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)}
{لاَّ يَجْزِى} لا يقضي عنه شيئاً. ومنه قيل للمتقاضي: المتجازي. وفي الحديث في جذعة بن نيار: «تجزِي عنكَ ولا تجزِي عنْ أحدٍ بعدَك» وقرئ: {لا يجزئ} لا يغني. يقال: أجزأت عنك مجزأ فلان. والمعنى: لا يجزى فيه، فحذف. {الغرور} الشيطان. وقيل: الدنيا وقيل: تمنيكم في المعصية المغفرة.
وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه: الغرّة بالله: أن يتمادى الرجل في المعصية ويتمنى على الله المغفرة. وقيل: ذكرك لحسناتك ونسيانك لسيئاتك غرة. وقرئ بضم الغين وهو مصدر غره غروراً، وجعل الغرور غارًّا، كما قيل: جدّ جدّه. أو أريد زينة الدنيا لأنها غرور.
فإن قلت: قوله: {وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً} وارد على طريق من التوكيد لم يرد عليه ما هو معطوف عليه.
قلت: الأمر كذلك؛ لأنّ الجملة الإسمية أكد من الفعلية، وقد انضم إلى ذلك قوله: {هُوَ} وقوله: {مَوْلُودٌ} والسبب في مجيئه على هذا السنن: أنّ الخطاب للمؤمنين وعليتهم: قبض آباؤهم على الكفر وعلى الدين الجاهلي، فأريد حسم أطماعهم وأطماع الناس فيهم: أن ينفعوا آباءهم في الآخرة، وأن يشفعوا لهم، وأن يغنوا عنهم من الله شيئاً؛ فلذلك جيء به على الطريق الآكد. ومعنى التوكيد في لفظ المولود: أن الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه، لم تقبل شفاعته، فضلاً أن يشفع لمن فوقه من أجداده؛ لأنّ الولد يقع على الولد وولد الولد؛ بخلاف المولود فإنه لمن ولد منك.

.تفسير الآية رقم (34):

{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)}
روي: أنّ رجلاً من محارب وهو الحارث بن عمرو بن حارثة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أخبرني عن الساعةِ متَى قيامُها، وإنّي قد ألقيتُ حباتِي في الأرض وقدْ أبطأتُ عنَّا السماءُ، فمتَى تمطرُ؟ وأخبرنِّي عنِ امرأتِي فقدْ اشتملتْ ما في بطنِها، أذكرُ أمْ أنثى؟ وإنِّي علمْتُ ما علمْتُ أمس، فما أعملُ غداً؟ وهذا مولدِي قد عرفتُه، فأينَ أموتُ؟ فنزلَتْ وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «مفاتحُ الغيبِ خمسٌ» وتلا هذه الآية.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من ادعى علم هذه الخمسة فقد كذب، إياكم والكهانة فإن الكهانة تدعو إلى الشرك والشرك وأهله في النار.
وعن المنصور أنه أهمه معرفة مدّة عمره، فرأى في منامه كأن خيالاً أخرج يده من البحر وأشار إليه بالأصابع الخمس، فاستفتى العلماء في ذلك، فتأوّلوها بخمس سنين، وبخمسة أشهر، وبغير ذلك، حتى قال أبو حنيفة رحمه الله: تأويلها أنّ مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، وأن ما طلبت معرفته لا سبيل لك إليه {عِندَهُ عِلْمُ الساعة} أيان مرساها {وَيُنَزّلُ الغيث} في إبانه من غير تقديم ولا تأخير، وفي بلد لا يتجاوزه به {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرحام} أذكر أم أنثى، أتام أم ناقص، وكذلك ما سوى ذلك من الأحوال {وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ} برّة أو فاجرة {مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً} من خير أو شر، وربما كانت عازمة على خير فعملت شراً. وعازمة على شر فعملت خيراً {وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ} أين تموت، وربما أقامت بأرض وضربت أوتادها وقالت: لا أبرحها وأقبر فيها. فترمي بها مرامي القدر حتى تموت في مكان لم يخطر ببالها، ولا حدّثتها به ظنونها.
وروي أنّ ملك الموت مرّ على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظر إليه، فقال الرجل من هذا؟ قال: ملك الموت، فقال: كأنه يريدني. وسأل سليمان أن يحمله على الريح ويلقيه ببلاد الهند، ففعل. ثم قال ملك الموت لسليمان كان دوام نظري إليه تعجباً منه، لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك. وجعل العلم لله والدراية للعبد. لما في الدراية من معنى الختل والحيلة. والمعنى: أنها لا تعرف- وإن أعملت حيلها- ما يلصق بها ويختص ولا يتخطاها، ولا شيء أخص بالإنسان من كسبه وعاقبته، فإذا لم يكن له طريق إلى معرفتهما، كان من معرفة ما عداهما أبعد. وقرئ: {بأية أرض}. وشبه سيبويه تأنيث (أي) بتأنيث كل في قولهم: كلتهن.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قرأَ سورَة لقمان كانَ له لقمانُ رفيقاً يومَ القيامةِ وأُعطي من الحسناتِ عشراً عشراً بعدد منْ عمل بالمعروفِ ونهَى عن المنكر».

.سورة السجدة:

.تفسير الآيات (1- 3):

{الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)}
{الم} على أنها اسم السورة مبتدأ خبره {تَنزِيلُ الكتاب} وإن جعلتها تعديداً للحروف ارتفع {تَنزِيلُ الكتاب} بأنه خبر مبتدأ محذوف: أو هو مبتدأ خبره {لاَ رَيْبَ فِيهِ} والوجه أن يرتفع بالابتداء، وخبره {مِن رَّبّ العالمين} و{لاَ رَيْبَ فِيهِ}: اعتراض لا محل له. والضمير في {فِيهِ} راجع إلى مضمون الجملة، كأنه قيل: لا ريب في ذلك، أي في كونه منزلاً من رب العالمين ويشهد لوجاهته قوله {أَمْ يَقُولُونَ افتراه} لأنّ قولهم: هذا مفترى، إنكار لأن يكون من رب العالمين، وكذلك قوله: {بَلْ هُوَ الحق مِن رَّبّكَ} وما فيه من تقدير أنه من الله وهذا أسلوب صحيح محكم: أثبت أولاً أن تنزيله من رب العالمين، وأن ذلك ما لا ريب فيه، ثم أضرب عن ذلك إلى قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افتراه} لأن (أم) هي المنقطعة الكائنة بمعنى: بل والهمزة، إنكاراً لقولهم وتعجيباً منه لظهور أمره: في عجز بلغائهم عن مثل ثلاث آيات منه، ثم أضرب عن الإنكار إلى إثبات أنه الحق من ربك. ونظيره أن يعلل العالم في المسألة بعلة صحيحة جامعة، قد احترز فيها أنواع الاحتراز. كقول المتكلمين: النظر أوّل الأفعال الواجبة على الإطلاق التي لا يعرى عن وجوبها مكلف، ثم يعترض عليه فيها ببعض ما وقع احترازه منه، فيرده بتلخيص أنه احترز من ذلك، ثم يعود إلى تقرير كلامه وتمشيته.
فإن قلت: كيف نفى أن يرتاب في أنه من الله، وقد أثبت ما هو أطم من الريب، وهو قولهم: {افتراه}؟ قلت: معنى {لاَ رَيْبَ فِيهِ} أن لا مدخل للريب في أنه تنزيل الله: لأن نافي الريب ومميطه معه لا ينفك عنه وهو كونه معجزاً للبشر، ومثله أبعد شيء من الريب. وأما قولهم: {افتراه} فإما قول متعنت مع علمه أنه من الله لظهور الإعجاز له، أو جاهل يقوله قبل التأمل والنظر لأنه سمع الناس يقولونه: {مَّا أتاهم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ} كقوله: {مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ} [يس: 6] وذلك أن أن قريشاً لم يبعث الله إليهم رسولاً قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
فإن قلت: فإذا لم يأتهم نذير لم تقم عليهم حجة.
قلت: أما قيام الحجة بالشرائع التي لا يدرك علمها إلا بالرسل فلا، وأما قيامها بمعرفة الله وتوحيده وحكمته فنعم؛ لأن أدلة العقل الموصلة إلى ذلك معهم في كل زمان {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} فيه وجهان: أن يكون على الترجي من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} [طه: 44] على الترجي من موسى وهرون عليهما السلام، وأن يستعار لفظ الترجي للإرادة.

.تفسير الآية رقم (4):

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)}
فإن قلت: ما معنى قوله: {مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ} قلت: هو على معنيين، أحدهما: أنكم إذا جاوزتم رضاه لم تجدوا لأنفسكم ولياً، أي: ناصراً ينصركم ولا شفيعاً يشفع لكم.
والثاني: أن الله وليكم الذي يتولى مصالحكم، وشفيعكم أي ناصركم على سبيل المجاز، لأن الشفيع ينصر المشفوع له. فهو كقوله تعالى: {وَمَا لَكُم مّن دُونِ الله مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ} [البقرة: 107] فإذا خذلكم لم يبق لكم وليّ ولا نصير.

.تفسير الآية رقم (5):

{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)}
{الأمر} المأمور به من الطاعات والأعمال الصالحة ينزله مدبراً {مِنَ السماء إِلَى الأرض} ثم لا يعمل به ولا يصعد إليه ذلك المأمور به خالصاً كما يريده ويرتضيه إلا في مدة متطاولة؛ لقلة عمال الله والخلص من عباده وقلة الأعمال الصاعدة، لأنه لا يوصف بالصعود إلا الخالص ودل عليه قوله على أثره {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} أو يدبر أمر الدنيا كلها من السماء إلى الأرض: لكل يوم من أيام الله وهو ألف سنة، كما قال: {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47]، {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} أي يصير إليه، ويثبت عنده، ويكتب في صحف ملائكته كل وقت من أوقات هذه المدّة: ما يرتفع من ذلك الأمر ويدخل تحت الوجود إلى أن تبلغ المدة آخرها، ثم يدبر أيضاً ليوم آخر، وهلم جرا إلى أن تقوم الساعة. وقيل: ينزل الوحي مع جبريل عليه السلام من السماء إلى الأرض. ثم يرجع إليه ما كان من قبول الوحي أو ردّه مع جبريل، وذلك في وقت هو في الحقيقة ألف سنة؛ لأن المسافة مسيرة ألف سنة في الهبوط والصعود؛ لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة، وهو يوم من أيامكم لسرعة جبريل؛ لأنه يقطع مسيرة ألف سنة في يوم واحد، وقيل: يدبر أمر الدنيا من السماء إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة، ثم يعرج إليه ذلك الأمر كله؛ أي يصير إليه ليحكم فيه {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} وهو يوم القيامة.
وقرأ ابن أبي عبلة: {يعرج} على البناء للمفعول. وقرئ: {يعدون} بالتاء والياء.

.تفسير الآيات (6- 9):

{ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)}
{أَحْسَنَ كُلَّ شَيْء} حسنه، لأنه ما من شيء خلقه إلا وهو مرتب على ما اقتضته الحكمة وأوجبته المصلحة؛ فجميع المخلوقات حسنة وإن تفاوتت من حسن وأحسن، كما قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] وقيل: علم كيف يخلقه من قوله: قيمة المرء ما يحسن. وحقيقته. يحسن معرفته أي يعرفه معرفة حسنة بتحقيق وإتقان. وقريء {خلقه} على البدل، أي: أحسن، فقد خلق كل شيء. وخلقه: على الوصف، أي: كل شيء خلقه فقد أحسنه. سميت الذرية نسلاً؛ لأنها تنسل منه، أي: تنفصل منه وتخرج من صلبه ونحوه قولهم للولد: سليل ونجل، و{سواه} قوّمه، كقوله تعالى: {فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] ودل بإضافة الروح إلى ذاته على أنه خلق عجيب لا يعلم كنهه إلا هو، كقوله: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الروح.....} الآية [الإسراء: 85]، كأنه قال: ونفخ فيه من الشيء الذي اختص هو به وبمعرفته.

.تفسير الآيات (10- 11):

{وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)}
{وَقَالُواْ} قيل القائل أبي بن خلف، ولرضاهم بقوله أُسند إليهم جميعاً. وقرئ: {ائنا}، و {أنا}، على الاستفهام وتركه {ضَلَلْنَا} صرنا تراباً، وذهبنا مختلطين بتراب الأرض، لا نتميز منه، كما يضل الماء في اللبن أو غبنا {فِى الأرض} بالدفن فيها. من قوله:
وَآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّةٍ

وقرأ علي وابن عباس رضي الله عنهما: {ضللنا} بكسر اللام. يقال: ضل يضل وضل يضل.
وقرأ الحسن رضي الله عنه: صللنا، من صلّ اللحم وأصلّ: إذا أنتن. وقيل: صرنا من جنس الصلة وهي الأرض.
فإن قلت: بم انتصب الظرف في {أَءذَا ضَلَلْنَا}؟ قلت: بما يدل عليه (لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ) وهو نبعث. أو يجدد خلقنا. لقاء ربهم: هو الوصول إلى العاقبة، من تلقى ملك الموت وما وراءه، فلما ذكر كفرهم بالإنشاء. أضرب عنه إلى ما هو أبلغ في الكفر، وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة، لا بالإنشاء وحده: ألا ترى كيف خوطبوا بتوفي ملك الموت وبالرجوع إلى ربهم بعد ذلك مبعوثين للحساب والجزاء، وهذا معنى لقاء الله على ما ذكرنا والتوفي: استيفاء النفس وهي الروح. قال الله تعالى: {الله يَتَوَفَّى الأنفس} [الزمر: 42] وقال: أخرجوا أنفسكم، وهو أن يقبض كلها لا يترك منها شيء. من قولك: توفيت حقي من فلان، واستوفيته إذا أخذته وافياً كاملاً من غير نقصان. والتفعل والاستفعال: يلتقيان في مواضع: منها: تقصيته واستقصيته، وتعجلته واستعجلته.
وعن مجاهد رضي الله عنه: حويت لملك الموت الأرض، وجعلت له مثل الطست، يتناول منها حيث يشاء.
وعن قتادة: يتوفاهم ومعه أعوان من الملائكة. وقيل: ملك الموت: يدعو الأرواح فتجيبه، ثم يأمر أعوانه بقبضها.